لماذا تراقب أجهزة الاستخبارات شبكات التواصل الاجتماعي؟
سعت وكالة الأمن القومي في الولايات المتحدة وتسعى منذ عام 2008، عندما وسع الكونغرس صلاحياتها في مراقبة الاتصالات بشكل كبير تفوق آلاف المرات حقوقها القانونية، وكتبت صحيفة واشنطن بوست مؤخرا حول هذه القضية نقلا عن وثائق مقدمة من إدوارد سنودن الموظف السابق في وكالة الأمن القومي في الولايات المنحدة
ووفقا للتقارير عن المراقبة الداخلية في وكالة الأمن القومي جرى حصر 2776 حالة خرق في جمع المعلومات خلال 12 شهرا من الفترة السابقة لتاريخ أيار 2012، ومعظم هذه الانتهاكات جرى في حالات مراقبة غير مرخص بها لمواطني الولايات المتحدة أو لأجهزة استخبارات أجنبية، وحصلت الانتهاكات إما بشكل متعمد أو نتيجة أخطاء غير مقصودة.
وقامت وكالة الأمن القومي على وجه الخصوص، بالتنصت على "عدد كبير" من المكالمات الهاتفية من واشنطن بسبب خطأ في البرنامج الذي عطل رمز الاتصال المحلي واستبدله برمز المكالمات الدولية مع مصر، ولا يبدو هذا الخطأ فضوليا إطلاقا، لأنه يكشف عن الخطر المحتمل وعن ضعف برامج المراقبة الشاملة.
وأعلنت الولايات المتحدة الأمريكية أن هدفها من التجسس على المواطنين الأمريكيين والأجانب هو مكافحة الإرهاب وضمان الأمن القومي بشكل عام، مع العلم أن برنامج " PRISM /بريزم" الذي كشف عنه سنودن البرنامج، والذي أطلق في عام 2007 ليس سوى جزء من الآلة الضخمة للرقابة، إلا أن قدرات /بريزم/ تذهل، بحيث أنها مكنت وكالة الأمن القومي ومكتب التحقيقات الفيدرالي من الوصول إلى الخوادم الإلكترونية لشركات مثل سكايب ومايكروسوفت وياهو والفيسبوك وجوجل وأبل، وهذا يعني ميغابايتات من المعلومات حول عمليات تسجيل الدخول وكلمات المرور و المراسلات بين الناس في ملفات للصوت والصورة، وبيانات شخصية على الشبكات الاجتماعية، وإلى جانب /بريزم/ يوجد على الأقل ثلاثة برامج حكومية، كذلك تشرف عليها وكالة الأمن القومي، وهذه البرامج هي / MAINWAY, NUCLEON и MARINA / ماينوي ونيوكليون ومارينا.
إن وكالات الاستخبارات قادرة من الناحية النظرية جمع ملفات من المعلومات عن أي شخص كان بدأ من سنوات الطفولة، ويمكن لها أن تحصل على العلامات المدرسية وعلى شهاداته وتحركاته في البلاد وصوره بواسطة آلة تصوري سرية وكاميرات المراقبة، وكذلك على درجو نشاطه المفضل في الانترنت والمكالمات والمراسلات الهاتفية وبيانات عن أقربائه وأصدقائه.
ومن الواضح أن الحديث يدور حول انتهاكات لحقوق الإنسان في خصوصيته الحياتية، ولكن المشكلة هي أيضا حول ذاك الذي سيكون على تواصل مع هذه البيانات، هل ستكون الدولة؟ أم المؤسسات التجارية والمصرفية؟ أو الإرهابيون، على سبيل المثال؟ إذ يمكن أن تسرق هذه المعلومات أو أن تصبح مكشوفة للعموم عن طريق الخطأ، إن المعلومات السرية عن ماضي الشخص يمكن استخدامها لابتزازه أو الاحتيال عليه.
إن التغلغل في الحياة الخاصة للمواطنين الأميركيين يجري بطرق أخرى أيضا، حيث تقوم وكالة الاستخبارات المركزية بمراقبة شبكة التواصل الاجتماعي عبر تعاملها مع شركات تكنولوجيا المعلومات، كما أنه من المعروف أيضا أن الصندوق الاستثماري في وكالة /لإن – كيو – تيل/ هو شريك في الرأسمال التأسيس لشركات مثل / غينسبين، غاتر للتكنوجيات، إمبر كوربوريشن، إنفينيتي باور سوليوشن، إنفينيتي زد، ميزر وير، نوشن دي إس بي، أوكيوليز لابز، أبن سبام، بيريسيبتيف بيكسيل، ريكورد فيوتشر، سيفينث سينس، سونيتورز ميديكال، سبوتر إر إف، ويللي تيكنولوجي، كيهول، أدابتيكس، بازيس تكنولوجي، بيوماتريكا، كلوديرا لإنتربريز، ديجيتال سوليد ستات بربولشن، فاير إي وغيرها.
إن القصة التي جرت أحداثها منذ فترة قريبة جدا في التجسس والتنصت على مكالمات مراسل تلفزيون قناة فوكس نيوز المواطن جيمس روزين أو كذلك تسجيل المحادثات الهاتفية لصحفيي وكالة أسوشيتد برس تدل على حجم ومقياس التعدي على الحريات المدنية للأميركيين.
الأموال أيضا تحت الرقابة
وتحاول السلطات الأمريكية فرض الرقابة الشاملة ليس فقط على حياة الأمريكيين الخاصة، ولكن على مدخراتهم أيضا، وبالتالي على النظام المالي العالمي برمته، إذ أنه يمكن الحصول على مليارات الدولارات من نسبة واحد بالمائة فقط من جملة المعاملات المصرفية في العالم.
ونتيجة للنفاذ الكامل لقوة القانون الخاص بضريبة الامتثال للحسابات الأجنبية (FATCA) أُطلقت يدا حكومة الولايات المتحدة بالطلب من جميع البنوك الأجنبية أن توفيها بقصص الحسابات المالية للأميركيين فيها، وإذا رفض أي بنك أجنبي "التعاون" في ذلك، فإنه تعرض نفسه للخطر بالوقوع إلى الأبد في "القائمة السوداء".
كما تقوم إدارة أوباما منذ بداية هذا العام بالنظر في قانون يمنح رسميا حق الوصول الكامل إلى الحسابات المالية لمواطني الولايات المتحدة، ويقدم هذا الحق لأولئك اللاعبين المشاركين في الفضائح الأخيرة وهم وكالة الأمن القومي ووكالة الاستخبارات المركزية وبالتعاون مع جهاز مخابرات مكافحة الجرائم المالية (شبكة مكافحة الجرائم المالية).
ويزداد تدريجيا عدد الأميركيين الذين يتساءلون، هل جعلتهم سياسة الولايات المتحدة أكثر سعادة؟ وهل أصبح العالم أكثر عدلا؟ وما الذي يعمله النظام الأميركي بالمبادئ العتيدة لليبرالية والحريات المنصوص عليها في الدستور الأميركي؟
ويجب قول الحق للأمريكيين الذين يفكرون بشكل منطقي، إذ أن هذه الشريحة من السكان والتي تلم بالسياسة والاقتصاد تفهم حيثيات الوضع القائم، وأن نضالها في بلدها من أجل الديمقراطية بدأ يعطي البوادر الأولى من الثمار، حيث أن مجموعة من المواطنين اجتمعت في اتحاد لحماية الحريات المدنية (ACLU) ، يناضل ضد تعسف السلطات، وقام مؤخرا بتقديم دعوى قضائية ضد الإدارة الأمريكية يطلب فيها الاعتراف بأن التجسس على المواطنين هو عملية غير دستورية، كما يناضل المدافعون عن حقوق الإنسان ضد محاولات السلطات بترهيب المواطنين العاديين، وبالرغم من ردود الفعل النشطة من جانب البيت الأبيض، إلا أن الكونغرس الأمريكي يناقش بجدية حاجة البلاد إلى قانون يحد من إمكانية وكالات الاستخبارات التجسس على مواطني البلاد ذاتها.
المصدر: